رتبطت الكرة العراقية بالعديد من الأسماء... بدون مقدمات أو تعريف كان "مؤيد البدري" أبرزها. تنوعت أدوار البدري مع كرة القدم ما بين التعليق، الصحافة، الادارة، التدريس، حتى وصل الى رئاسة اتحاد الكرة العراقي عام (1988). عرفه الجمهور من خلال برنامجه الاسبوعي "الرياضة في أسبوع" الذي كان أحد البرامج الناجحة لفترة طويلة حيث تتجمهر (العوائل) العراقية من أجل مشاهدته.
تميَّز "البدري" بثقافتة الكروية العالية التي فاقت زملاءه، وكان أحيانا وبمبادرة شخصية منه يترك مايكروفون التعليق ليحلَّ أمراً فنياً، مثلما حصل في مباراة العراق والامارات في تصفيات اولمبياد سيول الاولمبية عندما كانت المباراة متوقفة قبل (10) دقائق من نهايتها بسبب بعض أعمال الشغب وكان العراق متقدماً (3-0)، حيث حاول "عمو بابا" ادخال "أحمد دحام" بدلاً من "حسين سعيد"، انفعل البدري كثيراً ولم يكن راضياً من موقف "بابا" وترك مايكروفون التعليق بعد أن اعتذر من الجمهور (المباراة كانت متلفزة على الهواء)، وطلب من "عمو بابا" أن يتريّث في التبديل حتى تعود المباراة بالاستئناف، ليضيع خلالها الفريق بعض الوقت اثناء عملية التغيير ليضمن انتهاء المباراة بسلام والمحافظة على الفوز.
امتلك البدري صوتاً "نقياً" سلساً يصل الى الجمهور المستمع بسهولة، وكان جريئاً في اختيار العبارات المناسبة التي "ردّدها" العديد من المعلقين الذين عملوا بعد مرحلته.
ابتعد "البدري" قسراً عن الكرة العراقية بسبب مضايقات "عدي" له على ما أعتقد بعد أن بدأ دوره يُهمَّش مع الكرة العراقية، حيث فضّل العمل في قطر بداية "التسعينيات".
يقال ان "عدي" الذي أوصله الى رئاسة الاتحاد العراقي لكرة القدم (1988) حاربه "بشدة" بعد عودته من مرحلة الاقصاء بسبب ارتكابه حادثة القتل الشهيرة، حيث رفض "عدي" استقباله بعد أن جاءه "البدري" مهنئاً بأدعاء أنّ البدري كان قد تحدث عنه سلبياً أثناء فترة سجنه ونفيه! أمانةً كنت قد التقيت "البدري" وبحضور الزميل "محمد جميل عبد القادر" في احدى الأمسيات التي استضافها الاخير تكريما لـ البدري في مطعم قصر الصنوبر في الأردن (1989) أثناء ابتعاد "عدي" عن الساحة فكان النقاش طويلاً وسألته عن "عدي" فلم أرَه يتهجم على "عدي" بل بالعكس قال لي انه يلتقيه من فترة لأخرى في جلسات خاصة لذلك جاء استغرابي من اقصاء البدري خلال مرحلة عودة "عدي".
احترمت "البدري" كثيرا بعد ان كشف "زيف" المصارع "عدنان القيسي"، حيث كانت نزالات القيسي عبارة عن مسرح كوميدي لجذب الجمهور العراقي الذي كان مخدوعا على أنّها بطولات. كان البدري مهنياً وواضحاً حيث قاطعه ورفض أن يكون "بوقاً" لمسرحية "القيسي". كان موقف "البدري" رائعا للغاية، لكن لا أدري... لماذا سكت "البدري" عن مسألة تدمير الكرة العراقية من خلال عدم كشفه ورفضه للتزوير؟ فهو كان مطلعاً بشكل كامل على هذه الظاهرة الخطيرة التي هددت "روح" الكرة العراقية والتي كان من المفروض أن يحاربها منذ البداية مثلما حارب "القيسي" فهو رجل مهني وأكاديمي يدرك جيدا خطورة التزوير وهو نوع من أنواع الخداع الذي لا يقبله الاّ الاميين. أتمنى أن يخرج الرجل عن صمته ويوضح أسباب عدم انتقاده لهذه الظاهرة التي دعمها أحيانا ويدلي بشهادته للشعب العراقي الذي يحترمه كخطوة مهمة للتصحيح ضد هذا الداء الخطير.
لقد كسب البدري قلوب ملايين العراقيين من خلال تقديمه لبرنامج "الرياضة في أسبوع" لأكثر من (25) سنة وغيرها من المواقف. هنالك "لغزٌ" ظل يحيّرني لفترة طويلة فهو بكل هذه العقلية والنجاح فشل في تقديم وجه "تلفزيوني" جديد أو خليفة له، مع العلم أنّه كان يمتلك من القدرات ما يؤهّله لأن يقود أكاديمية من المعلّقين أو الاعلاميين. أغلب المعلقين الذين جاءوا من بعده أو خلال مرحلته وصلوا الى كراسي التعليق بجهودهم الشخصية دون المرور عبر بوابته. كان البدري بأمكانه أن يقدم جيلاً جديداً من الاعلاميين لكنه لم يفعل. لا أدري... هل كانت هذه أنانية منه؟ أم أنّه أراد أن يحمي الكفاءات الاعلامية الواعدة من تبعات هذه المهنة وابعادهم عن العذاب المحتمل الذي تعرّض له رجالاتها؟
يتلذذ "البدري" بالاستماع الى أغنية كاظم الساهر "أنا وليلى" كما قال في احدى الحوارات التلفازية ولست متاكدا ما اذا كان يستهويه بيت الشعر (جزء من الاغنية) الذي يقول "نفيت واستوطن الاغراب في بلدي" الذي مافتيء العراقيون يرددونه وخاصة عراقيو المنفى ممّن اختلفوا مع النظام قبل سقوطه (2003) وردده عراقيو المهجر بعد الاحتلال (2003). أقول ذلك لأنّي أشعر قاطعاً بأن البدري قد "نفي" من اتحاد الكرة "موطنه" و "عرشه الطبيعي" الذي كان هو الأجدر بقيادته في مرحلة ما بعد "عدي".
ملاحظة: محمد جميل عبد القادر = رئيس الاتحاد العربي للاعلام الرياضي, واحتل مراكز قيادية اعلامية ورياضية في الأردن.